أحيانًا نبذل قصارى جهدنا من أجل الوصول لشيءٍ ما، غير مُدركين أهم أسباب تحقيق الأماني وأيسرها، وهو مناجاة الله عز وجل، ولا يوجد أفضل من يوم عرفة المجيد حتى ندعو الله فيه، ونتوسل إليه بكل ما نرجو من الأماني المتعلقة بالدنيا أو الآخرة على حدٍ سواء، حيث إن الدعاء في هذا اليوم يكون أقرب إلى الاستجابة.
إذا كنت على دراية بآداب الدعاء، فإن الإجابة على سؤالك كيف أبدأ الدعاء في يوم عرفة لن تختلف كثيرًا عما تعرفه، حيث إن للدعاء آداب يجب اتباعها في أي وقت نبدأ الدعاء فيه، وهي:
- الثناء على الله عز وجل وتعظيمه.
- الصلاة على رسولنا الكريم عليه السلام.
- الدعاء بأسماء الله الحُسنى، وصفاته العظيمة.
- استقبال القبلية وبدء مناجاة الله في خشوع وتوسل.
- التوبة من أي ذنوب سابقة، والتوبة النصوحة إلى الله.
- اليقين التام بأن الله قادر على تحقيق أي دعاء مهما كان صعبًا.
- العزم على طلب الرغبات، والإلحاح بالدعاء، مع شعور اليقين بالاستجابة.
- التحدث مع الله بصوت منخفض، مع مراعاة اختيار أفضل الألفاظ والكلمات.
أفضل الأعمال المستحبة في يوم عرفة
حتى وإن لم تكُن من الحُجّاج هذا العام، وتتساءل كيف أبدأ الدعاء في يوم عرفة، عليك العلم أن هناك عِدة عبادات أخرى لا يجب إهمالها بجانب الدعاء، وهي الأعمال التي شُرعت للمسلم غير الحاج، حتى يتسنى له التقرب من الله عز وجل، ومنها:
1- التكبير والتهليل
أوضح لنا نبينا الكريم أن الأيام العشرة من ذي الحجة، بما تشمله من يوم عرفة، هي من أحب الأيام إلى الله عز وجل، وقد روى عبد الله بن عمر عنه:
“ما مِن أيَّامٍ أَعظَمَ عِندَ اللهِ، ولا أَحَبَّ إلَيهِ مِنَ العملِ فيهِنَّ مِن هذِه الأَيَّامِ العَشرِ؛ فأَكثِرُوا فيهِنَّ مِنَ التَّهليلِ، والتَّكبيرِ، والتَّحميدِ” الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : العراقي | المصدر : التقييد والإيضاح | الصفحة أو الرقم : 473 | خلاصة حكم المحدث : رجاله مخرج لهم في الصحيح . أوله مشهور من حديث ابن عباس وآخره غريب من حديثه ، وإنما يعرف آخره من حديث ابن عمر | التخريج : أخرجه الطبراني (11/82) (11116)، والشجري في ((الأمالي)) (1745) باختلاف يسير، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (3758) باختلاف يسير مطولاً
2- الصيام
مما جاء في سيرة رسولنا الكريم يُمكن الإجَذام أن صيام هذا اليوم يكفّر عن العبد صغائر ذنوبه التي ارتكبها طوال العام السابق، والعام القادم أيضًا، ويُمكن أن يكون بداية جديدة لمن يتوب توبة نصوحة سليمة عن ذنب كبير قد ارتكبه، والدليل على ذلك في رواية أبو قتادة عن النبيّ:
” صِيامُ يومِ عَرَفَةَ، إِنِّي أحْتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكَفِّرَ السنَةَ التي قَبلَهُ، والسنَةَ التي بَعدَهُ، وصِيامُ يومِ عاشُوراءَ، إِنِّي أحْتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكَفِّرَ السنَةَ التِي قَبْلَهُ” الراوي : أبو قتادة | المحدث : السيوطي | المصدر : الجامع الصغير | الصفحة أو الرقم : 5101 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه مسلم (1162)، وأبو داود (2425)، وأحمد (22650) مطولاً، والترمذي (749، 752) مفرقاً، وابن ماجه (1730، 1738) مفرقاً، وابن حبان (3632) واللفظ له
كثرة ذكر الله
لقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم حريصًا على توضيح أفضل الأعمال المستحبة يوم عرفة، وقد كان لذكر الله النصيب الأكبر، خاصةً قول: “لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، لَهُ الملكُ ولَهُ الحمدُ وَهوَ على كلِّ شَيءٍ قديرٌ”.
ماذا أفعل في يوم عرفة؟
يوم عرفة هو أحد الأيام المباركة في السنة، إذ تُزال فيه العثرات، وتُستجاب فيه الدعوات، وتُستجلب فيه الدعوات، وكل لحظة تمر فيه يجب استغلالها جيدًا.
وإن أردت تحقيق ذلك عليك بتنظيم جدول عملي مرتب، تسير على خُطاه حتى تستفيد من هذا اليوم المبارك بأقصى قدر، علمًا بأن الجدول يجب أن يبدأ منذ فجر يوم عرفة، وحتى صلاة المغرب، على النحو التالي:
- النوم مبكرًا بالقدر الممكن في اليوم الذي يسبق يوم عرفة، وحتى تأخذ أجرًا أثناء نومك انوِ نية التقوى على طاعة الله.
- استيقظ قبل الفجر لتناول السحور، ثم صلِ أربع ركعات على الأقل بنية قيام الليل، واحرص على الدعاء وأنت ساجد.
- اجعل هناك متسع من الوقت لك حتى آذان الفجر، حتى تقضيه في الاستغفار، فتُكتب من المستغفرين في الأسحار.
- استعِد لوضوء الفجر قبل الآذان بخمس دقائق، واجعل قلبك حاضرًا، مستشعرًا ذنوبك وهي تزول مع كل قطرة ماء.
ردِد دعاء ما بعد الوضوء، حيث روى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عن النبيّ: “من توضأ فأحسن الوضوءَ ثم قال: أشهد أن لا إله َ الا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهِّرين، فُتحت له ثمانيةُ أبوابِ الجنةِ، يدخل من أيّها شاءَ” الراوي : عمر بن الخطاب | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترغيب | الصفحة أو الرقم : 224 | خلاصة حكم المحدث : حسن | التخريج : أخرجه مسلم (234) باختلاف يسير.
- صلِ الفجر وابقَ في مكانك حتى يمر على الشروق ربع ساعة تقريبًا، واقضِ هذه الفترة في قراءة القرآن، وأذكار الصباح، وبعد انتهاء المدة ابدأ في التكبير والتهليل.
- أدِ صلاة الركعتين بعد شروق الشمس، وبذلك يُكتب لك أجر حجة وعمرة كاملة، ثم ابدأ في الدعاء من هذا الوقت حتى صلاة المغرب كيفما بما شِئت، ولا تضيّع ثانية واحدة فيما دون التقرب من الله ومناجاته.
- إذا نِمت ساعتين أو ثلاث بنية التقوى على طاعة الله باقي اليوم فإن لك عظيم الأجر، قُم من النوم وتوضأ لتصلي أربع ركعات على الأقل في صلاة الضحى.
- ابدأ في ممارسة العبادات، لكن احرص على مراعاة التنوع فيما بينها حتى لا تمل، مثل التكبير، والذكر، والدعاء، وتلاوة القرآن، بالترتيب الذي تريده.
- توضأ حتى تصلي الظهر، ثم اقرأ شيئًا من كتاب الله الحكيم، والزم التسبيح والتكبير والتهليل ثانيةً، والدعاء أيضًا، مع مراعاة ذكر الله بالقول المستحب على لسان النبيّ.
- صلِ العصر، وابدأ في ترديد أذكار المساء، ثم كبّر وهلّل، واحرص على قراءة القرآن الكريم وقلبك مليء بالخشوع حتى غروب شمس اليوم المبارك.
- ردِد كثيرًا ألا تغرب شمس يوم عرفة إلا وقد كتبك الله من عتقائه والفائزين به، وابتعد عن الغرور وضمان الاستجابة، فإن ضمنت الدعاء فلا تضمن الثبات، واجعل قلبك متيقنًا من الإجابة.
- ابدأ في الإفطار مع سماع آذان المغرب، واحرص على استكمال كافة دعواتك، حيث إن للصائم دعوة لا تُرد، ولا شك أن الأجر مضاعف في هذا اليوم الفضيل.
إنّ لكل إنسان منّا أهداف وأمنيات يسعى لتحقيقها في الحياة الدنيا، ويرى أن سعادته متعلقة بها، ويبذل الكثير من أجل الوصول إليها، لكن يجب ألا ينسى أن لا شيء يتم دون توفيق الله ومعونته، لذا لا بُد من الدعاء بجانب السعي.
