فرض الإسلام الكثير من سُبل الطهارة، والتي هي ضرورة مُلحة لأداء العبادات، فاختصّ كُل منها بأمورٍ مُعينة؛ إذ أن هناك نوعين من الحدث “أصغر / أكبر”، فوجب في أحدهما الغُسل والآخر الوضوء فقط، فهل يُغني أحدهما عن الآخر، وما اللازم منهما للجُنب؟
هل الوضوء يغني عن غسل الجنابة ؟
إن الوضوء من سُبل الطهارة، والذي هو ضرورة لكُل صلاة في حالة الحدث الأصغر وذلك عند التبول أو إخراج الريح أو التعرض إلى التلوث من المواد غير الطاهرة.. فيكون الوضوء تطهيرًا له من ذلك، ويُمكّنه من أداء العبادات الموجبة له.
قد يكون المرء جُنبًا، فهل الوضوء يُتيح له أداء الصلوات المفروضة؟ وهل الوضوء يغني عن غسل الجنابة؟ لا فهو حدث أكبر يجب في الغسل، وفي تِلك الحالة يجب على الجُنب الوضوء ثُم الاغتسال حتى تُقبل فروضه، فقد قال صلى الله عليه وسلم:
“لا تقبل صلاة بغير طهور”. “الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم : 224 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | التخريج : من أفراد مسلم على البخاري”
لا يفوتك أيضًا: هل يجوز النوم على جنابة وما الطريقة الصحيحة للإغتسال ؟
هل الجنابة يغني عن الوضوء؟
هناك نوعين من الغسل، غسل واجب؛ وذلك في حالة الحدث الأكبر، وغسل مستحب كغسل يوم الجمعة، ففي الحالة الأولى تُغني الجنابة عن الوضوء ولا يُمكن العكس، أما في الثانية فكِلاهما يُجزئ.
هل يجوز الوضوء بدل الاغتسال من الجنابة في البرد؟
يعد الواجب والأصل في الجنابة هو الاغتسال، لأمر الله تعالى، إلا أنه في حالة لو عجز الإنسان عن الاغتسال للبرودة الشديدة، وعدم القدرة على تدفئة مياه للاغتسال وقد وجبت الصلاة، فقد أجاز الله له الوضوء أو التيمُم؛ شرط أن يغتسل ويُعيد الصلاة في حالة الاستطاعة.
قال تعالى:
“وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ” [سورة المائدة: الآية 6].
يحكي عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أنه احتلم في إحدى الليالي الباردة، وقد خشي من الاغتسال من شدة البرد، وقام بالتيمم ثم صلى بأصحابه صلاة الصبح، وحينما قد قصّ الصحابة ذلك على رسول الله، فقال:
“احتَلمتُ في ليلةٍ باردةٍ في غزوةِ ذاتِ السُّلاسلِ فأشفَقتُ إنِ اغتَسَلتُ أن أَهْلِكَ فتيمَّمتُ، ثمَّ صلَّيتُ بأصحابي الصُّبحَ فذَكَروا ذلِكَ للنَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ:
يا عَمرو صلَّيتَ بأصحابِكَ وأنتَ جنُبٌ ؟ فأخبرتُهُ بالَّذي مَنعَني منَ الاغتِسالِ وقُلتُ إنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يقولُ:
( وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) فضحِكَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ولم يَقُلْ شيئًا”. “الراوي : عمرو بن العاص | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود، الصفحة أو الرقم: 334 | خلاصة حكم المحدث : صحيح”
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله، بأن في هذا الحديث دلالة على أنه في حالة خوف العبد من أن يصيبه السوء أو قد يودي الغسل بحياته؛ نتيجة لشدة البرد أن يتيمم بدلا من الاغتسال.
وضح الشيخ عبد العزيز بن باز، بأنه في حالة لو تمكن العبد من إحضار الماء الدافئ، مثل أن يشتريه أو أن يستعير البعض، فالأوجب ذلك، لقول الله تعالى في 16 “فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ” [سورة التغابن: الآية 16] وفي حالة العجز كليًّا ، يكون التيمّ كافيًا.
لا يفوتك أيضًا: متى يجب الغسل على الفتاة الغير متزوجة
هل الوضوء يغني عن غسل الجنابة في رمضان؟
لا يغني الوضوء عن غُسل الجنابة، وذلك سواء كان في رمضان أو أي وقت أخر، بخلاف من جاء عليه الصبح في شهر رمضان وهو جُنب، ولم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر، فيكون صيامه صحيح.
تقول أم المؤمنين عائشة:
“أنَّ رجلًا قال لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وهوَ واقِفٌ على الباب وأنا أَسْمَعُ: يا رسولَ اللهِ إنِّي أُصْبِحُ جُنُبًا، وأنا أُرِيدُ الصِّيامَ أفَأَغْتَسِلُ وأَصُومُ ذلكَ اليوم؟ فقال: وأنا أُصْبِحُ جُنُبًا وأنا أُرِيدُ الصِّيامَ، فَأَغْتَسِلُ وأَصُومُ ذلكَ اليومَ.
فقال لهُ الرجلُ: يا رسولَ اللهِ إِنَّكَ لسْتَ مِثْلَنا، قد غفرَ اللهُ لكَ ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِكَ وما تَأَخَّر، فَغَضِبَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وقال: واللهِ إنِّي لَأرْجو أنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ للهِ، وأَعْلَمَكُمْ بِما أَتَّقِي “.
“الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : الذهبي | المصدر : سير أعلام النبلاء | الصفحة أو الرقم : 8/59 | خلاصة حكم المحدث : صحيح وروى النسائي هذا المتن بنحوه بإسناد غريب عزيز”
كما ورد عن رسول الله، أنه كان يقوم بالنهار وهو جُنب من غير الاحتلام، وكان يكمل صيامه دون حرج، أي أن تأخير غسل الجنابة في رمضان لما بعد الفجر، لا يفسد صيام العبد أو يفطره.
لا يفوتك أيضًا: هل يجوز للزوجة الأولى طلب الطلاق بسبب التعدد
كيفية غسل الجنابة
إن تعلُم أمور الطهارة والدين، نأخذها من فعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقد وردت الكثير من الأحاديث التي تُبيّن صفة الغسل.
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:
“كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ. ثُمَّ يُفْرِغُ بيَمِينِهِ علَى شِمَالِهِ فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ. ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ. ثُمَّ يَأْخُذُ المَاءَ فيُدْخِلُ أصَابِعَهُ في أُصُولِ الشَّعْرِ،
حتَّى إذَا رَأَى أنْ قَدِ اسْتَبْرَأَ حَفَنَ علَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ. ثُمَّ أفَاضَ علَى سَائِرِ جَسَدِهِ. ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ. وفي رواية: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ، فَبَدَأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا…، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَديثِ أبِي مُعَاوِيَةَ ولَمْ يَذْكُرْ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ.”.
“الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 272 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | التخريج : أخرجه البخاري (272)، ومسلم (316)”
- استحضار نية الغُسل.
- التسمية، غسل اليدين ثلاثة مرات وبعدها غسل الفرج.
- الوضوء الكامل، كوضوء الصلاة.
- تعميم المياه على الرأس ثلاث مرات، حتى تُروى أصول الشعر.
- غسل شق الجسم الأيمن ثم الأيسر، وإيصال المياه إلى كامل الجسد.
إن الطهارة من الحدث الأكبر يُغني عن الحدث الأصغر؛ ولهذا يكفي المرء الغسل من الجنابة.. ولا يُمكن العكس، لذا علينا تحري أمور ديننا؛ حتى يتقبّل الله منّا صالح أعمالنا.
