هل على الإنسان أن يتمثّل بالسمو الروحاني في حياته؟ وكيف يكون هو كُل حالة؟ رحلة طويلة.. يتخللها معاني أخرى سامية، زادها السير في رحمة الله تعالى.. انبثاق الفكر الذي يعرف الروحانية أتى أساسًا من المسيحية، وهذا لا يعني عدم وجود الروحانية في الإسلام، إذ لها تفصيل مُختلف.
تعريف السمو الروحاني
سمو الروحانية أن يكون الإنسان شفافًا أمام خالقه، تزداد الثقة به إلى حد غير مسبوق، ولكن قبل الخوض في دهاليز ماهية السمو الروحاني يتعين تفصيل الكلمة أولًا بقسمها إلى قسمين، ثم بيان المعنى الدقيق.
مُستقر الروح هو جسد الإنسان، وهي التي يحيا بها الإنسان، أو مصدر الحياة بالنسبة له، والله تعالى هو من يتحكم بها، قال تعالى في سورة الإسراء، “وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)”.
الروح هي التي يحيا بها الإنسان، وما نزل بها جبريل عليه السلام، وهو ما أكّد عليه أحمد بن يحي:
“وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (52)” سورة الشورى .
يحمل السمو الروحاني في طيّات معانيه، نجد أنه تطبيق الشريعة الإسلامية على وجه من الدقة، تقربًا من الله عز وجل، وطاعة لوجهه الكريم، وامتثالًا للفطرة السليمة التي جُبلنا عليها.
فتصبح النفس البشرية في سواء كبير، وأعلى درجات السمو الروحاني هي أن يفوز الإنسان بالحياة المثالية، والتي تكون بعيدة عن اللعب واللهو، كما قال تعالى في سورة العنكبوت
: “وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)”. سورة العنكبوت
لا يفوتك أيضًا: حزازير دينية إسلامية مع الحل في القرآن الكريم والسنة النبوية
لماذا يجب أن نسمو روحانيًا؟
لأجل بيان ما هو السمو الروحاني؟ يُرجى التأكد أنه يأخذك إلى حالة من الاستقرار النفسي، فيُعطيك السمو الروحاني كمالًا في الأخلاق، وفي الأدب، والعبادة.
تحصد في هذا السمو محبة سامية من الله -سبحانه وتعالى- ورسوله الكريم، حيث قال تعالى في كتابه الكريم:
“يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30) قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)” سورة آل عمران.
كما قال سبحانه تعالى في سورة الرحمن:
“هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)”.
ورد في الذكر الحكيم أيضًا ما يورّث الإنسان نتيجة سموه الروحاني، وذلك في قوله تعالى:
“وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)”.
لمّا جعل الله -سبحانه وتعالى- جزاء هذا السمو في العبادة بذلك الجزاء الكبير.. لم يكُن إلا لأن الفتنة ستكون صعبة، وسيكون الأمر عسيرًا على بني آدم نتيجة أهواء الشيطان.
قال تعالى في سورة الأعراف:
“يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)”.
أمّا من يستكبر، ويُعرض عن هذا مُتبعًا أهواء الشيطان، فإن جزاؤه لا يكون إلا حرمانًا من نعمة الله في الدنيا، وفي الآخرة يكون له عذاب أليم.
قال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِين (40) سورة الأعراف.
لا يفوتك أيضًا: أسئلة دينية إسلامية صعبة للاذكياء مع أجوبتها من القرآن والسنة
كيف يسمو الإنسان روحانيًا؟
1- التوبة والاستغفار
إن الأساس في أن تسمو نفس الإنسان هو أن يُخلصها من كل ذنب، وهذا يحصل حين يتغلب على شيطان نفسه.
لكل عبد في هذا أسلوبه الخاص، على أن يجتمعوا في أن المُخلص الوحيد هو الله سبحانه، لهذا نتضرّع إليه بالدعاء.
- اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت وأبوء لك بنعمتك علي وأبوئ بذنبي فأغفر لي فأنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
- أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه توبة عبد ظالم لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا.
- اللهم إني أستغفرك لكل ذنب يعقب الحسرة، ويورث الندامة ويحبس الرزق ويرد الدعاء، اللهم إني أستغفرك من كل ذنب تبت منه ثم عدت إليه.
- اللهم إني أستغفرك من النعم التي أنعمت بها علي فاستعنت بها على معاصيك، وأستغفر من الذنوب التي لا يطلع عليها أحد سواك ولا ينجيني منها أحد غيرك.
- ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا أصرًا كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به.
- ربي أعف عنا وأغفر لنا وارحمنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.
- ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلًا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم، ربنا أفرغ علينا صبرًا وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين.
2- تخليص النفس من الأحقاد
إن الحسد والغل ما إن يتمكن من قلب الإنسان حتى يُصبح هائمًا لا يريد من أمره إلا الدُنيا، أمّا السمو الروحاني فهو أن يكون كل هم الإنسان الآخرة وحدها.
لذا عليه تخليص نفسه من حُب هذه الدُنيا، فالله لا يعرفنا بالشكل الذي نكون عليه، بل بما نحمل في صدورنا، قال صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللهَ تعالى لَا ينظرُ إلى صُوَرِكُمْ وَأمْوالِكُمْ، ولكنْ إِنَّما ينظرُ إلى قلوبِكم وأعمالِكم” رواه أبو هريرة – حديث صحيح.
لا يفوتك أيضًا: ما هي أسماء روايات القرآن الكريم وما هي أفضل رواية للقرآن؟
3- الأعمال الصالحة
بعد أن أزيلت الأغلال، وتخلصت من الغل والكرة الذنوب.. يكون عليك أن تسير منضبطًا إلى الله تعالى، وهذا بكثرة الأعمال الصالحة، والتي أمر بها الله سبحانه.
- الالتزام بالصلاة، سواء من الفروض أو السنن، قال تعالى في سورة البقرة: “وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110)”.
- المواظبة على الأذكار اليومية، قال سبحانه وتعالى في سورة الرعد: “الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)”.
- الصلاة والسلام على النبي، حيث قال صلى الله عليه وسلم: “لا يُؤْمِنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من ولدِهِ، ووالدِهِ، والناسِ أجمعينَ” رواه أنس بن مالك- صحيح الجامع.
- تعطير الفم بذكر الله تعالى فقال الله في سورة آل عمران: “الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)”.
- الإكثار من الصدقات، والتي حثّ الله عليها في كتابه الكريم، قال تعالى: “مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)” سورة البقرة.
- الالتزام بإخراج الزكاة في وقتها، فهي من العبادات التي أمر الله سبحانه بها: “إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)” سورة التوبة.
- البُعد عن الغيبة والنميمة، والتي نهى الله عنها في سورة الحجرات، قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (12)”.
- الالتزام بالزي الشرعي للنساء، والذي قال عنه الله سبحانه في سورة النساء: ” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (59)”.
- غض البصر للرجال، فهي قيمة يرتقي بها الإنسان ويرتقي مجتمعه، قال تعالى: “قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)” سورة النور.
إن السمو الروحاني قيمة تصل العبد إلى حياة هانئة، حُرفت؟ نعم، وُجد لها معانٍ شركية؟ بالطبع، لكن الإنسان وحده هو من يختار الطريق الذي يسلكه.