إن الله عز وجل قد شرع الغسل، وجعله سببًا يُباح به العبادات، وكونه يجب على المكلفين رجالًا وإناثًا في حالات معينة، ذلك أنه من الأمور التوقيفية، فلا يجوز للمرء أن يوجب الغسل على نفسه لأمر من الأمور غير الواردة في الشريعة.
متى يجب الغسل على الفتاة الغير متزوجة
يجب الغسل على المرأة سواء متزوجة أو غير متزوجة في حالات عدة، ويتوقف الغسل على إباحة العديد من العبادات، مثل الصلاة والصوم ومس المصحف وغيرها من العبادات، إلا أن للمرأة غير المتزوجة حالات توجب الغسل، فمتى يجب الغسل على الفتاة الغير متزوجة؟
1- خروج المني في المنام
سواء احتلمت المرأة أم لا، وسواء كان هذا الأمر بشهوة أو بغيرها، فإنه يجب على المرأة الغسل، ويُستدل على ذلك بما روته أم سلمة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-:
” جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقَالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ، فَهلْ علَى المَرْأَةِ مِن غُسْلٍ إذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إذَا رَأَتِ المَاءَ فَغَطَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ، تَعْنِي وجْهَهَا، وقَالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ أوَتَحْتَلِمُ المَرْأَةُ؟ قَالَ: نَعَمْ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ، فَبِمَ يُشْبِهُهَا ولَدُهَا.” الراوي: أم سلمة أم المؤمنين | المحدث: البخاري | المصدر: صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم: 130 | خلاصة حكم المحدث: [صحيح].
2- انقطاع الحيض
فإذا انقض دم الحيض عن المرأة، فإنه يجب عليها الغسل، والدليل على ذلك ما روته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
“ أنَّ فاطمةَ بنتَ أبي حُبَيْشٍ جاءَت رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فقالَت إنِّي امرأةٌ أُستَحاضُ فلا أطهرُ أفأدعُ الصَّلاةَ قالَ إنَّما ذلِكَ عِرقٌ وليسَت بالحيضَةِ فإذا أقبلَتِ الحَيضةُ فدَعي الصَّلاةَ وإذا أدبَرَت فاغسِلي عنكِ الدَّمَ ثمَّ صلِّي.”
الراوي: عائشة أم المؤمنين | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح أبي داود | الصفحة أو الرقم: 282 | خلاصة حكم المحدث: صحيح.
كما قال الله عز وجل:
” وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ” ( سورة البقرة :222)
ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم:
” إنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بنْتَ جَحْشٍ الَّتي كَانَتْ تَحْتَ عبدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ شَكَتْ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ الدَّمَ. فَقالَ لَهَا: امْكُثِي قَدْرَ ما كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ ثُمَّ اغْتَسِلِي. فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ.” الراوي: عائشة أم المؤمنين | المحدث: مسلم | المصدر: صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم: 334 | خلاصة حكم المحدث: [صحيح].
3- الكافرة إذا أسلمت
فقد أوجب بعض الفقهاء الغسل على الكافرة إذا أسلمت، وذلك للحديث الذي رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم:
” عن قيسِ بن عاصمٍ أنه أسلمَ، فأمرهُ النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسلَ بماءٍ وسدرٍ.” الراوي: قيس بن عاصم | المحدث: البغوي | المصدر: شرح السنة | الصفحة أو الرقم: 1/436 | خلاصة حكم المحدث: حسن.
4- الموت من موجبات الغسل
فإذا توفيت المرأة فإنه يجب تغسيلها، والدليل على ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: ” أنَّ رَجُلًا كانَ مع رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ مُحْرِمًا، فَوَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ فَمَاتَ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: اغْسِلُوهُ بمَاءٍ وَسِدْرٍ.”
كما يُستثنى من ذلك الشهيد، فإنه لا يغسّل، وذلك للحديث الوارد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “ قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في قتلَى أُحُدٍ: لا تُغسِّلوهم فإنَّ كلَّ كِلْمٍ أو جُرحِ دمٍ يفوحُ مِسكًا يومَ القيامةِ.”
متى يجب الغسل على المرأة المتزوجة؟
يجب على المرأة المتزوجة الغسل في كافة موجبات الغسل للمرأة غير المتزوجة، إلا أنه يُزاد عليها أمورًا:
1- حال الجنابة
هي خروج المني بشهوة وتدفق حال اليقظة، ففي تلك الحالة يجب على المرأة الغسل، ويستدل على ذلك بقول الله عز وجل: “ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا…” ( سورة المائدة: 6)
كما روى علي بن ابي طالب رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-:
” كُنتُ رجلًا مذَّاءً، فقالَ لي رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: إذا رَأيتَ المذيَ، فاغسلْ ذَكَرَكَ، وتَوضَّأ وضوءَكَ للصَّلاةِ، وإذا فَضختَ الماءَ، فاغتَسِلْ.” الراوي: علي بن أبي طالب | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح النسائي- الصفحة أو الرقم: 193 | خلاصة حكم المحدث: صحيح.
2- الجِماع
أي التقاء الختانين وإن لم يحصل إنزال، ويستدل على ذلك بما رواه أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
” إذا جَلَسَ بيْنَ شُعَبِها الأرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَها فقَدْ وجَبَ الغَسْلُ.” الراوي: أبو هريرة | المحدث: البخاري | المصدر: صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 291 | خلاصة حكم المحدث: [صحيح].
3- انقطاع النفاس
النفساء كالحائض.. يستوي فيهما الحكم، لذا وجب عليها الغسل كما يجب على الحائض بالأدلة الشرعية.
يُستدل على ذلك بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“أن رسولَ اللهِ خرجَ لخمسٍ بقيْن من ذي القعدةِ، وخرجنا معه، حتى إذا أتى ذا الحُليْفةَ ولدت أسماءُ بنتُ عُمَيْسٍ محمدَ بنَ أبي بكرٍ فأرسلت إلى رسولِ اللهِ كيف أصنعُ؟ فقال: اغتسلِي، ثم استثفرِي، ثم أهلِّي.” الراوي: جابر بن عبد الله | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح النسائي | الصفحة أو الرقم: 427 | خلاصة حكم المحدث: صحيح.
كيفية الغسل من الجنابة
يوجد في الشريعة الإسلامية صفتان للغسل، كلاهما يُجزئان، وتصح بهما العبادات، هما:
1- الغسل الرافع للحدث
هو الذي اجتمع فيه ركني الغسل الأساسيين، هما: النية، بأن يغتسل المرء بنية رفع الحدث وزوال النجس، والثاني: تعميم الجسد بالماء
فإذا فعل المرء ذلك كان رافعًا للحدث وأجزأه الغسل.
2- الغسل التام أو الكامل
تلك الصيغة هي الواردة في غسل النبي صلى الله عليه وسلم، والتي تجمع بين الواجب والمستحب، وهي:
- غسل الكفين قبل إدخالهما في الإناء ثلاثًا.
- غسل الفرج جيدًا.
- ثم يتوضأ المرء وضوءه للصلاة، ويسن ترك الرجلين إلى آخر الغسل، فإن لم يتركهما فلا حرج.
- ثم يفرق المرء شعر رأسه، ثم يفيض الماء علية حتى يرتوي كله
- يغسل جانبه الأيمن بحيث يُفيض الماء عليه بالكامل، ثم الجانب الأيسر.
يستدل على ذلك بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم:
” أدْنيتُ لرسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ غُسلَهُ منَ الجَنابةِ، فغسلَ كفَّيهِ مرَّتينِ، أو ثلاثًا ثمَّ أدخلَ بيمينِهِ في الإناءِ، فأفرغَ بِها علَى فَرجِهِ ثمَّ غسلَهُ بشمالِهِ ثمَّ ضربَ بشمالِهِ الأرضَ فدلَكَها دلكًا شديدًا ثمَّ تَوضَّأ وضوءَهُ للصَّلاةِ، ثمَّ أفرغَ علَى رأسِهِ ثلاثَ حَثياتٍ ملءَ كفِّهِ، ثمَّ غسلَ سائرَ جسدِهِ ثمَّ تنحَّى عن مَقامِهِ فغسلَ رجلَيهِ. قالَت: ثمَّ أتيتُهُ بالمنديلِ، فردَّهُ.” الراوي: ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح النسائي | الصفحة أو الرقم: 253 | خلاصة حكم المحدث: صحيح.
فإذا اقتصر الرجل أو المرأة على واحدة من تلك الصفتين أجزأه حتى وإن لم يتوضأ، ذلك أن الوضوء داخلًا في الغسل.
في ختام الحديث حول متى يجب الغسل على الفتاة الغير متزوجة لا يختلف غسل المرأة عن الرجل، إلا أن المرأة لا يجب عليها نقض ضفيرتها إن وصل الماء إلى أصل الشعر، فإن أصل الغسل عموم الجسد بالماء.