هل يجوز التوسل بالنبي؟ وما حكم التوسل عند المذاهب الأربعة؟ يرغب فئة كبيرة من الناس الذين يقومون بالتوسل برسول الله في الدعاء في معرفة حقيقة جواز ذلك الأمر، حتى لا يكون عليهم إثم بسبب ذلك.
هل يجوز التوسل بالنبي ؟
1- حكم التوسل بالنبي عند الحنفية
نص المذهب الحنفي على أن التوسل بالنبي مكروه حيث قال إنه إذا كان الهدف من القسم هو الإقسام على الله فهذا غير مُحبذ؛ لأنه لا يجوز الإقسام على الخالق بالمخلوق وهذا طبقًا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
“منْ حلفَ بغيرِ اللهِ فقدْ أشركَ”.
الراوي: عبد الله بن عمر | المحدث: السيوطي | المصدر: الجامع الصغير | الصفحة أو الرقم: 8623 | خلاصة حكم المحدث: صحيح | التخريج: أخرجه أبو داود (3251)، وأحمد (6073)
2- حكم التوسل بالنبي عند المالكية
لا يجوز التوسل بالنبي عند الله فقال الإمام مالك إنه لا يحب ذلك لأن هذا فيه تجاوز على الرسول الله، كما إنه كان لا يُفضل قول يا سيدي عند الدُعاء، فقد كان يحب التوسل إلى الله بأسمائه الحُسنى.
3- حكم التوسل بالنبي عند الحنابلة
أصحاب المذهب الحنبلي أقروا جواز التوسل بذات النبي، فقد نقل ابن تيمية عن الإمام أحمد بن حنبل قائلًا ” لداعي المسلم على النبي صلى الله عليه وسلم يتوسل به في دعائه“
4- حكم التوسل بالنبي عند الشافعي
الإمام الشافعي أقروا عدم جواز ذلك؛ بسبب عدم نقل أي حديث من السنة كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو به إلى الله بالتوسل إليه بذات أو جاه.
لا يفوتك أيضًا: هل يجوز خروج المطلقة في العدة من اجل العمل ؟
رأي ابن تيمية في التوسل بالنبي
منع التوسل بالجاه والأنبياء فقال
: “إن كان في العلماء مَن سوغه، فقد ثبت عن غير واحد من العلماء أنه نهى عنه، فتكون مسألة نزاع، فيُرد ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله، ويُبدي كل واحد حجته كما في سائر مسائل النزاع، وليس هذا من مسائل العقوبات بإجماع المسلمين، بل المعاقب على ذلك معتد جاهل ظالم“.
لكن يوجد فئات كبيرة من جمهور المذاهب الأربعة تُبيح جواز التوسل بالنبي عند الدعاء سواء كان بجاه أو ذاته.
ماهية التوسل بالنبي
التوسل بالنبي -محمد صلى الله عليه وسلم- معناه هو أن يقوم المرء بالدعاء ويجعل سيدنا محمد واسطة بين الله وبينه، وهذا يعتبر نوع من أنواع الشرك؛ لأن الله لا يحب أن تكون هناك واسطة بينه وبين عباده، بالإضافة إلى أن هذا لم يكن من هدي النبي ولا عمل الصحابة.
حقيقة توسل سيدنا آدم بسيدنا محمد
انتشرت رواية حول توسل سيدنا آدم بسيدنا محمد بعد أن اقترف ذنبه المعروف بأكل التفاحة من الشجرة فدار الحديث التالي بين الله عز وجل وسيدنا آدم: “ يا رب أسألك بحق محمد أن غفرت لي فقال الله: فكيف عرفت محمداً ولم أخلقه بعد؟
فقال: يا رب لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت فيه من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك، فقال الله: صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلى وإذ سألتني بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك“
لكن هذا الحديث ضعيف وليس له أساس من الصحة عند أهل العلم وبذلك لا يتم صحة جواز التوسل بسيدنا محمد.
إجازة التوسل بجاه النبي
أجاز بعض العلماء مثل العز بن عبد السلام التوسل بجاه النبي كما يرى الفقيه الشوكاني بجواز ذلك؛ حيث أتى رجل ضرير إلى النبي يطلب منه الدعاء فقال
“ادعُ اللَّهَ أن يعافيَني قالَ: إن شئتَ دعوتُ، وإن شِئتَ صبرتَ فَهوَ خيرٌ لَكَ. قالَ: فادعُهْ، قالَ: فأمرَهُ أن يتوضَّأَ فيُحْسِنَ وضوءَهُ ويدعوَ بِهَذا الدُّعاءِ: اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ وأتوجَّهُ إليكَ بنبيِّكَ محمَّدٍ نبيِّ الرَّحمةِ، إنِّي توجَّهتُ بِكَ إلى ربِّي في حاجَتي هذِهِ لتقضى ليَ، اللَّهمَّ فشفِّعهُ فيَّ” الراوي: عثمان بن حنيف | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح الترمذي | الصفحة أو الرقم: 3578 | خلاصة حكم المحدث: صحيح |
نص التوسل برسول الله عند المالكية والحنابلة
قال أحد فقهاء المذهب المالكي في آداب زيارة قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم وصاحبيه : ” … ثمّ يتوسل به – أي بالنبي صلّى الله عليه وسلّم – في جميع متطلباته .ثمّ ينتقل قبالة قبر أبي بكر ويقول :
“السلام عليك يا خليفة رسول الله …ثمّ يتوسل به إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، ثمّ ينتقل قبالة قبر أمير المؤمنين عمر ويقول : “السلام عليك يا صاحب رسول الله ، السلام عليك يا أمير المؤمنين عمر الفاروق ثمّ يتوسل به إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
ثمّ يأتي إلى البقيع فيسلّم على أهله هكذا ويتوسل بهم إلى رسول الله فلتحفظ تلك الآداب فإنّ من فعلها مع الشوق وفراغ القلب من الأغيار بلغ كل ما يتمنى إن شاء الله تعالى ” .
لا يفوتك أيضًا: هل يجوز العزاء قبل الدفن ؟ وما هي مدة العزاء
أنواع التوسل بالنبي
1- التوسل إلى الله بالنبي
هذا يجوز في الدين ولا إثم عليه، وكان ذلك يتم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يذهب الناس إلى رسول الله ويطلبون منه أن يدعو لهم.
فقد طلب الصحابة من سيدنا محمد الدعاء حيث روى البخاري في أحد الأحاديث:
“أنَّ رَجُلًا دَخَلَ يَومَ الجُمُعَةِ مِن بَابٍ كانَ وِجَاهَ المِنْبَرِ، ورَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَائِمًا، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، هَلَكَتِ المَوَاشِي، وانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا،
قالَ: فَرَفَعَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَدَيْهِ، فَقالَ: اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا. قالَ أنَسُ: ولَا واللَّهِ ما نَرَى في السَّمَاءِ مِن سَحَابٍ، ولَا قَزَعَةً، ولَا شيئًا، وما بيْنَنَا وبيْنَ سَلْعٍ مِن بَيْتٍ، ولَا دَارٍ.
قالَ: فَطَلَعَتْ مِن ورَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ، انْتَشَرَتْ ثُمَّ أمْطَرَتْ، قالَ: واللَّهِ ما رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتًّا، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِن ذلكَ البَابِ في الجُمُعَةِ المُقْبِلَةِ، ورَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ،
فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، هَلَكَتِ الأمْوَالُ وانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُمْسِكْهَا، قالَ: فَرَفَعَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، ولَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ علَى الآكَامِ والجِبَالِ، والآجَامِ والظِّرَابِ، والأوْدِيَةِ ومَنَابِتِ الشَّجَرِ. قالَ: فَانْقَطَعَتْ، وخَرَجْنَا نَمْشِي في الشَّمْسِ”
الراوي: أنس بن مالك | المحدث: البخاري | المصدر: صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم: 1013 | خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
لا يفوتك أيضًا: هل يجوز الحلف بالمصحف كذبًا عند الضرورة
2- التوسل إلى الله بذات النبي
لا يجوز ومعنى ذلك أن يقوم الداعي بدعاء الله ولكنه يجعل سيدنا محمد وسيط في دعائه فيقول اللهم إني أسألك بنبيك أو جاه نبيك ثم يذكر حاجته، وهذا لا يجوز بسبب وجود القسم وأداة القسم وهي حرف الباء وأن القسم لا يجوز إلا بالله بسبب قول رسول الله “من كان حالفًا فليحلِفْ باللهِ أو ليصمُتْ”
الراوي : – | المحدث : ابن تيمية | المصدر : المستدرك على مجموع الفتاوى | الصفحة أو الرقم : 1/28 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
السبب الثاني عدم الجواز هو أن الداعي يسأل الله أن يقوم بقضاء حاجته هو اقترانه بجاه النبي ومكانته عند الله وهذا لا يجوز.
إلى حد الآن لم يتم ثبوت أو نفي صحة جواز التوسل بالنبي في الدعاء عند أي من المذاهب الأربعة، فعلى المُسلم أن يتضرع إلى الله دون الوساطة بأي شخص مهما كانت مكانته.